Posted by: شيخة المطوع | 2020/06/16

كل أحدٍ أفقه من عمر

لغة الأرقام دوماً محيرة، ولغز الأعداد يدعوك للدهشة …

نظن نحن البشر أن كثرة الأعداد مقياسٌ للقبول، ورمزٌ للقوة والمنعة، ودليلٌ على التفوق والتميز، وأصبحت ظنوننا قناعات ومسلمات، ونحن نرى الأغلبية تتجه لتلك الحسابات..

قيمتك تتحدد من عدد الأموال التي تملكها، وعدد المركبات الفارهة التي تركبها، و كمية العلامات التجارية التي تقتنيها..

شهرتك تظهر من أعداد متابعيك…

وكمية معجبيك… والإعجابات التي تتكدس بها صفحاتك هي التي تحدد مستواك ومكانتك العلمية والمجتمعية…

ويعدد بعضهم زوجه رجاء زيادة المتعة، ووفرة اللذة…

ويكاثر نسله بحجة أن لهم فخراً وعزة …

ويضارب ماله، ويشتت أحياناً نفسه بهدف تعدد نقده…

ويكثر من أجهزته ويجعلها حوله، ويحملها في ترحاله وحله، لتشعره بنشوة التحكم، وتزيد من رفاهيته وتنوع وسائل صلته..

ويعدد صداقاته، وينوع علاقاته، لأنه يؤمن أن الزيادة في العلاقة سمعة ورفعة بل والجمهور الكبير يجعله غارقاً في النشوة…

وتمضي الأيام سراعاً وهمنا زيادة الأعداد، وكثرة الأولاد، وتوالد الأرقام ، ونكتشف في خضم سعينا ولهثنا أننا نلهث خلف سراب، ولذلك جاءت آيات القرآن لتخفف من سعينا، وترينا الحقيقة الغائبة عن ناظرينا ” ألهكم التكاثر حتى زرتم المقابر “…

وللقرآن في ميزان الأرقام وتعداد الحسابات شأنٌ آخر، فقد مدح القلة ورجحها على الكثرة.. وهاكم بعض الأمثلة :

•موازين النجاح والتفوق والغلبة ليست بكثرة العدد، وعدد المشركين في أغلب الغزوات والحروب، يفوق عدد المسلمين ويضاعفها بأضعاف كثيرة، ولكن مقياس الحق يكيل للبركة في مقابل الكثرة…

“كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً”

•ويوم حنين إذ اغتر المسلمون بأعدادهم وصاحوا بملء أفواههم ” لن نهزم اليوم من قلة”

جاءتهم الآيات لتهذب أفهامهم، وتحط من قيمة الأعداد التي لا تشكل أي وزن أو قيمة، بل قد تكون انسحاب وهزيمة …

وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا

ولأن المميزين دوماً قلة، لم تغفل الآيات على التنبيه لسلك مسلك الندرة، وعدم الالتفات للكثرة التي لا تعد عند الله شيئاً

وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ

“وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ”

وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ

وكذلك عندما حذر رسول الله صلى لله عليه وسلم،من تكالب الأمم علينا خشي الصحابة أن يكون السبب قلة المسلمين وبالتالي ضعفهم وقلة حيلتهم، فجاء الجواب صادماً، جاعلاً الأرقام تتهافت أمام المضامين..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ”

أخرجه أبو داود

وهذا يجعلنا نؤمن يقيناً أن الكثرة قد لاتعدل عند الله جناح بعوضة…

وأن البركة في المال، والولد،والصحب والنسب، قد تعدل عند الله وزن جبل أحد…

و لذلك عندما سمع سيدنا عمر رجلا ، يقول : اللهم اجعلني من الأقلين ، فقال : يا عبد الله وما الأقلون ، قال : سمعت الله ، يقول : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ }، { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وذكر آيات آخر ، فقال عمر : كل أحد أفقه من عمر


الردود

  1. مقال غني بمعلوماته واستشهاداته القيمة وموضوع مهم جدا لابد أن يدرس بمفاهيمه للجيل حتى لا ينساقوا وراء كل الأعداد الفارغة في المجتمع والتي لا تسمن ولا تغني من جوع .جزيت خيرا يا بنت الكرام أبا وأما..جعل الله كل ما تكتبيه في صحيفتك يوم القيامة..

  2. بارك الله فيك دكتورتنا الفاضلة وأُستاذتي الحبيبة
    جميل جدا المقال يمس شغاف النفس ولهفتها لزيادة الارقام


أضف تعليق

التصنيفات